سورة يونس - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


وقوله سبحانه وتعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} اختلفوا في هذه البشرى، فروي عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا} قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له» أخرجه الترمذي.
وله عن رجل من أهل مصر قال: سألت أبا الدرداء عن هذه الآية: {لهم البشرى في الحياة الدنيا} قال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال: «ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له» قال الترمذي حديث حسن.
(خ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة».
(ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة» لفظ البخاري ومسلم «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوة والرؤيا ثلاث: الرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه».
قال بعض العلماء: ووجه هذا القول إنا إذا حملنا قوله تبارك وتعالى لهم البشرى على الرؤيا الصالحة الصادقة فظاهر هذا النص يقتضي أن لا تحمل هذه الحالة إلا لهم، وذلك لأن ولي الله هو الذي يكون مستغرق القلب والروح بذكر الله عز وجل ومن كان كذلك فإنه عند النوم لا يبقى في قلبه غير ذكر الله ومعرفته ومن المعلوم أن معرفة الله في القلب لا تفيد إلا الحق والصدق فإذا رأى الولي رؤيا أو رؤيت له كانت تلك الرؤيا بشرى من الله عز وجل لهذا الولي.
قال الخطابي: في هذه الأحاديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها وإنما كانت جزءاً من أجزاء النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم وكان الأنبياء عليهم السلام يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة، قال الخطابي: قال بعض العلماء معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة لا أنها جزء من النبوة وقال الخطابي وغيره في معنى قوله- الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة: أقام النبي صلى الله عليه وسلم في النبوة ثلاثاً وعشرين سنة على الصحيح وكان قبل ذلك بستة أشهر يرى في المنام الوحي فهي جزء من ستة وأربعين جزءاً وقيل إن المنام لعل أن يكون فيه إخبار بغيب وهو أحد مراتب النبوة وهو يسير في جانب النبوة لأنه لا يجوز أن يبعث الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً يشرع الشرائع ويبين الأحكام ولا يخبر بغيب أبداً.
فإذا وقع لأحد في المنام الإخبار بغيب يكون هذا القدر جزءاً من النبوة لا أنه نبي، وإذا وقع ذلك لأحد في المنام يكون صدقاً والله أعلم.
وقيل في تفسير الآية: إن المراد بالبشرى في الحياة الدنيا هي الثناء الحسن وفي الآخرة الجنة ويدل على ذلك ما روي عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» أخرجه مسلم قال الشيخ محيي الدين النووي قال العلماء معنى هذا البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل للبشرى المؤخرة له في الآخرة بقوله بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار وهذه البشرى المعجلة دليل على رضا الله عنه ومحبته له وتحبيبه إلى الخلق كما قال ثم يوضع له القبول في الأرض هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم قال بعض المحققين: إذا اشتغل العبد بالله عز وجل استنار قلبه وامتلأ نوراً فيفيض من ذلك النور الذي في قلبه على وجهه فتظهر عليه آثار الخشوع والخضوع يحبه الناس ويثنون عليه فتلك عاجل بشراه بمحبة الله له ورضوانه عليه وقال الزهري وقتادة في تفسير البشرى: هي نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} وقال عطاء عن ابن عباس البشرى في الدنيا عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة وفي الآخرة بعد خروج نفس المؤمن يعرج بها إلى الله تعالى ويبشر برضوان الله تعالى وقال الحسن هي ما بشر الله به المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ويدل عليه قوله تعالى: {لا تبديل لكلمات الله} يعني لا خلف لوعد الله الذي وعد به أولياءه وأهل طاعته في كتابه وعلى ألسنة رسله ولا تغيير لذلك الوعد {ذلك هو الفوز العظيم} يعني ما وعدهم به في الآخرة {ولا يحزنك قولهم} يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا يحزنك يا محمد قول هؤلاء المشركين لك ولا يغمك تخويفهم إياك {إن العزة لله جميعاً} يعني أن القهر والغلبة والقدرة لله جميعاً هو المنفرد بها دون غيره وهو ناصرك عليم والمنتقم لك منهم.
وقال سعيد بن المسيب: إن العزة لله جميعاً فيعز من يشاء وهذا كما قال سبحانه وتعالى في آية أخرى {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} ولا منافاة بين الآيتين فإن عزة الرسول صلى الله عليه وسلم وعزة المؤمنين بإعزاز الله إياهم فثبت بذلك أن العزة لله جميعاً وهو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء. وقيل إن المشركين كانوا يتعززون بكثرة أموالهم وأولادهم وعبيدهم فأخبر الله سبحانه وتعالى أن جميع ذلك لله وفي ملكه فهو قادر على أن يسلبهم جميع ذلك ويذلهم بعد العز {هو السميع} لأقوالكم ودعائكم {العليم} بجميع أحوالكم لا تخفى عليه خافية.


قوله سبحانه وتعالى: {ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض} ألا كلمة تنبيه معناه أنه لا ملك لأحد في السموات ولا في الأرض إلا لله عز وجل فهو يملك من في السموات ومن في الأرض.
فإن قلت قال سبحانه وتعالى في الآية التي قبل هذه ألا إن لله ما في السموات بلفظة ما وقال سبحانه وتعالى في هذه الآية بلفظة من فمن فائدة ذلك؟ قلت إن لفظة ما تدل على ما لا يعقل ولفظة من تدل على من يعقل فمجموع الآيتين يدل على أن الله عز وجل يملك جميع من في السموات ومن في الأرض من العقلاء وغيرهم وهم عبيده وفي ملكه.
وقيل: إن لفظة من لمن يعقل فيكون المراد بمن في السموات الملائكة والعقلاء ومن في الأرض الإنس والجن وهم العقلاء أيضاً وإنما خصهم بالذكر لشرفهم وإذا كان هؤلاء العقال المميزون في ملكه وتحت قدرته فالجمادات بطريق الأولى أن يكونوا في ملكه إذا ثبت هذا فتكون الأصنام التي يعبد ها المشركون أيضاً في ملكه وتحت قبضته وقدرته ويكون ذلك قدحاً في جعل الأصنام شركاء لله معبودة دونه {وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء} لفظة ما استفهاميه معناه وأي شيء يتبع الذي يدعون من دون الله شركاء والمقصود تقبيح فعلهم يعني أنهم ليسوا على شيء لأنهم يعبد ونها على أنها شركاء لله تشفع لهم وليس الأمر على ما يظنون وهو قوله سبحانه وتعالى: {إن يتبعون إلا الظن} يعني أن فعلهم ذلك ظن منهم إنها تشفع لهم وأنها تقربهم إلى الله وذلك ظن منهم لا حقيقة له {وإن هم إلا يخرصون} يعني إن هم إلا يكذبون في دعواهم ذلك.
قوله عز وجل: {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً} يعني هو الله ربكم الذي خلق لكم الليل راحة لتسكنوا فيه وليزول التعب والكلال بالسكون فيه، وأصل السكون الثبوت بعد الحركة والنهار مبصراً وجعل النهار مضيئاً لتهتدوا فيه لحوائجكم وأسباب معايشكم وأضاف الإبصار إلى النهار وإنما يبصر فيه وليس النهار مما يبصر ولكن لما كان مفهوماً من كلام العرب معناه خاطبهم بلغتهم وما يفهمونه قال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى *** ونمت وما ليل المطي بنائم
فأضاف النوم إلى الليل ووصفه به وإنما عنى نفسه وأنه لم يكن نائماً ولا بعيره وهذا من باب نقل الاسم من المسبب إلى السبب قال قطرب تقول العرب أظلم الليل وأبصر النهار بمعنى صار ذا ظلمة وذا ضياء.
قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} يعني يسمعون سمع اعتبار وتدبر فيعلمون بذلك أن الذي خلق هذه الأشياء كلها هو الإله المعبود المنفرد بالوحدانية في الوجود {قالوا} يعني المشركين {اتخذ الله ولداً} يعني به قولهم الملائكة بنات الله {سبحانه} نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد {هو الغني} يعني أنه سبحانه وتعالى هو الغني عن جميع خلقه فكيف يليق بجلاله اتخاذ الولد وإنما يتخذ الولد من هو محتاج إليه والله تعالى هو الغني المطلق وجميع الأشياء محتاجة إليه وهو غني عنها {له ما في السموات وما في الأرض} يعني أنه مالك ما في السموات وما في الأرض وكلهم عبيده وفي قبضته وتصرفه وهو محدثهم وخالقهم.
ولما نزَّه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد عطف على من قال ذلك بالإنكار والتوبيخ والتقريع فقال سبحانه وتعالى: {إن عندكم من سلطان بهذا} يعني أنه لا حجة عندكم على هذا القول البتة ثم بالغ في الإنكار عليهم بقوله تعالى: {أتقولون على الله ما لا تعلمون} يعني أتقولون على الله قولاً لا تعلمون حقيقته وصحته وتضيفون إليه ما لا تجوز إضافته إليه جهلاً منكم بما تقولون بغير حجة ولا برهان {قل إن الذين يفترون على الله الكذب} أي: قل يا محمد لهؤلاء الذين يختلقون على الله الكذب فيقولون على الله الباطل ويزعمون أن له ولداً {لا يفلحون} يعني لا يسعدون وإن اغتروا بطول السلام والبقاء في النعمة.
والمعنى أن قائل هذا القول لا ينجح في سعيه ولا يفوز بمطلوبه بل خاب وخسر قال الزجاج هذا وقف قام يعني قوله لا يفلحون ثم ابتدأ فقال تعالى: {متاع في الدنيا} وفيه إضمار تقديره لهم متاع في الدنيا يتمتعون به مدة أعمارهم وانقضاء آجالهم في الدنيا وهي أيام يسيرة بالنسبة إلى طول مقامهم في العذاب وهو قوله سبحانه وتعالى: {ثم إلينا مرجعهم} يعني بعد الموت {ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون} يعني ذلك العذاب بسب بما كانوا يجحدون في الدنيا من نعمة الله عليهم ويصفونه بما لا يليق بجلاله.


قوله سبحانه وتعالى: {واتل عليهم نبأ نوح} لما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة أحوال كفار قريش وما كانوا عليه نم الكفر والعناد شرع بعد ذلك في بيان قصص الأنبياء وما جرى لهم مع أممهم ليكون في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة بمن سلف من الأنبياء وتسلية له ليخف عليه ما يلقى من أذى قومه وأن الكفار من قومه إذا سمعوا هذه القصص وما جرى لكفار الأمم الماضية من العذاب والهلاك في الدنيا كان ذلك سبباً لخوف قلوبهم وداعياً لهم إلى الإيمان.
ولما كان قوم نوح أول الأمم هلاكاً وأعظمهم كفراً وجحوداً ذكر الله قصتهم وأنه أهلكهم بالغرق ليصير ذلك موعظة وعبرة لكفار قريش، فقال سبحانه وتعالى واتل عليهم نبأ نوح يعني واقرأ على قومك يا محمد خبر قوم نوح {إذ قال لقومه يا قوم} وهو بنو قابيل {إن كان كبر} يعني ثقل {عليكم مقامي} يعني فيكم {وتذكيري بآيات الله} يعني: ووعظي إياكم بآيات الله: وقيل: معناه إن كان ثقل وشق عليكم طول مقامي فيكم وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أقام فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى ويذكرهم بآيات الله وهو قوله وتذكيري بآيات الله يعني ووعظي بآيات الله وحججه وبيناته فعزمتم على قتلي وطردي {فعلى الله توكلت} يعني فهو حسبي وثقتي {فأجمعوا أمركم} يعني فأحكموا أمركم واعزموا عليه، قال الفراء: الإجماع الإعداد والعزيمة على الأمر قال ابن الأنباري: المراد من الأمر هنا وجوه كيدهم وكرهم فالتقدير لا تدعوا من أمركم شيئاً إلا أحضرتموه {وشركاءكم} يعني وادعوا شركاءكم يعني آلهتكم فاستعينوا بها لتجمع معكم وتعينكم على مطلوبكم وإنما حثهم على الاستعانة بالأصنام بناء على مذهبهم واعتقادهم أنها تضر وتنقع مع اعتقاده أنها جماد لا تضر ولا تنفع فهو كالتبكيت والتوبيخ لهم {ثم لا يكن أمركم عليكم غمة} يعني لا يكن أمركم عليكم خفياً مبهماً ولكن ليكن أمركم ظاهراً منكشفاً من قولهم غم الهلال فهو مغموم إذا خفي والتبس على الناس {ثم اقضوا} ثم امضوا {إليّ} بما في أنفسكم من مكروه وما توعدوني به من قتل وطرد وافرغوا منه تقول العرب قضى فلان إذا مات ومضى وقيل معناه ثم اقضوا ما أنتم قاضون {ولا تنظرون} أي: ولا تؤخروني ولا تمهلوني بعد إعلامكم إياي ما أنتم عليه وهذا الكلام من نوح عليه الاسلام على طريق التعجيز لهم أخبر الله عز وجل عن نوح عليه السلام أنه كان قد بلغ الغاية في التوكل على الله وأنه كان واثقاً بنصره غير خائف من كيدهم علماً منه بأنهم وآلهتهم ليس لهم نفع ولا ضر وإن مكرهم لا يصل إليه {فإن توليتم} يعني فإن أعرضتم عن قولي وقبول نصحي {فما سألتكم من أجر} يعني من جعل وعوض على تبليغ الرسالة فإذا لم يأخذ على تبليغ الدعوة إلى الله شيئاً كان أقوى تأثيراً في النفس {إن أجري إلا على الله} أي: ما ثوابي وجزائي على تبليغ الرسالة إلا على الله {وأمرت أن أكون من المسلمين} يعني أني أمرت بدين الإسلام وأنا ماض فيه غير تارك له سواء قبلتموه أم لم تقبلوه وقيل معناه وأمرت أن أكون من المستسلمين لأمر الله ولكل مكروه يصل إلي منكم لأجل هذه الدعوة {فكذبوه} يعني فكذبوا نوحاً عليه السلام {فنجيناه ومن معه في الفلك} يعني في السفينة {وجعلناهم خلائف} يعني وجعلنا الذين نجيناهم معه في الفلك سكان الأرض بعد الهالكين {وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} أي فانظر يا محمد أو يا أيها الإنسان كيف كان آخر أمر من أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا ولم يقبلوا ذلك.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10